الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقرأ {الرياح} جمعًا ابن عباس والسّلمي وابن أبي عبلة {بشرًا} بضم الباء والشين ورويت عن عاصم وهو جمع بشيرةٍ كنذيرة ونذر، وقرأ عاصم كذلك إلا أنه سكن الشين تخفيفًا من الضم، وقرأ السلمي أيضًا {بشرًا} بفتح الباء وسكون الشين وهو مصدر بشر المخفف ورويت عن عاصم، وقرأ ابن السميقع وابن قطيب بشرى بألف مقصورة كرجعى وهو مصدر فهذه ثماني قراءات أربعة في النون وأربع في الباء فمن قرأ بالباء جمعًا أو مصدرًا بألف التأنيث ففي موضع الحال من المفعول أو مصدرًا بغير ألف التأنيث فيحتمل ذلك ويحتمل أن يكون حالًا من الفاعل ومن قرأ بالنون جمعًا أو اسم جمع فحال من المفعول أو مصدرًا فيحتمل أن يكون حالًا من الفاعل وأن كون حالًا من المفعول أو مصدرًا ليرسل من المعنى لأنّ إرسالها هو إطلاقها وهو بمعنى النّشر فكأنه قيل بنشر الرياح نشرًا ووصف الريح بالنشر بأحد معنيين بخلاف الطي وبالحياة، قال أبو عبيدة: في النشر أنها المتفرقة في الوجوه، وقال الشاعر في وصف الرّيح بالإحياء والموت: والرّيدة والمريد أنه الرّيح.وقال الآخر: ومعنى {بين يدي رحمته} أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثرًا والتعيين عن إمام الرحمة بقوله: {بين يدى} من مجاز الاستعارة إذ الحقيقة هو ما بين يدي الإنسان من الإحرام وقال الكرماني: قال هنا {يرسل} لأنّ قبل ذلك {وادعوه خوفًا وطمعًا} فهمًا في المستقبل فناسبه المستقبل وفي الفرقان وفاطر {أرسل} لأن قبله {ألم ترَ إلى ربك كيف مدّ الظل} وبعده {وهو الذي مرح} وكذا في الروم {ومن آياته أن يرسل} ليوافق ما قبله من المستقبل وفي فاطر قبله {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلًا أولي أجنحة} وذلك ماضٍ فناسبه الماضي انتهى ملخصًا.{حتى إذا أقلت سحابًا ثقالًا سقناه لبلد ميت}.هذه غاية لإرسال الرّياح والمعنى أنه تعالى يرسل الرّياح مبشرات أو مبشرات إلى سوق السّحاب وقت إقلاله إلى بلد ميت والسحاب اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث فيذكر كقوله: {والسحاب المسخر} كقوله: {يزجي سحابًا ثم يؤلّف بينه} ويؤنث ويوصف ويخبر عنه بالجمع كقوله: {وينشئ السحاب الثقال} وكقوله: {والنّخل باسقات} وثقله بالماء الذي فيه ونسب السّوق إليه تعالى بنون العظمة التفافًا لما فيه من عظيم المنة وذكر الضمير في {سقناه} رعيًا للفظ كما قلنا إنه يذكر.وقال السدّي يرسل تعالى الرياح فتأتي السحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينتشر ويبسطه في السماء وتفتح أبواب السماء ويسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك قال وهذا التفصيل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.ومذهب أهل الحق أن الله تعالى هو الذي يسخّر الرّياح ويصرفها حيث أراد بمشيئته وتقديره لا مشارك له في ذلك وللفلاسفة كيفية في حصول الرياح ذكرها أبو عبد الله الرازي وأبطلها من وجوه أربعة يوقف عليها في كلامه وللمنجمين أيضًا كلام في ذلك أبطله، وقال في آخره فثبت بهذا البرهان أنّ محرّك الرّياح هو الله تعالى وثبت بالدليل العقلي صحّة قوله: {وهو الذي يرسل الرياح}.وعن ابن عمران الرّياح ثمان أربع منها عذاب هي: القاصف والعاصف والصّرصر والعقيم وأربع منها رحمة: الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات واللام في {لبلد} عندي لام التبليغ كقولك قلت لك، وقال الزمخشري: لأجل بلد فجعل اللام لام العلة ولا يظهر فرق بين قولك سقت لك مالًا وسقت لأجلك مالًا فإنّ الأوّل معناه أوصلته لك وأبلغتكه والثاني لا يلزم منه وصوله إليه بل قد يكون الذي وصل له الماء غير الذي علّل به السوق ألا ترى إلى صحة قول القائل لأجل زيد سقت لك مالك.ووصف البلد بالموت استعارة حسنة لجدبه وعدم نباته كأنه من حيث عد الانتفاع به كالجسد الذي لا روح فيه ولما كان ذلك موضع قرب رحمة الله وإظهار إحسانه ذكر أخص الأرض وهو البلد حيث مجتمع الناس ومكان استقرارهم ولما كان في سورة يس المقصد إظهار الآيات العظيمة الدالة على البعث جاء التركيب باللفظ العام وهو قوله: {وآية لهم الأرض الميتة} وبعده {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار وآية لهم إنا حملنا ذريتهم} وسكن باء الميت عاصم وأبو عمرو والأعمش.{فأنزلنا به الماء} الظاهر أنّ الباء ظرفية والضمير عائد على بلد ميت أي فأنزلنا فيه الماء وهو أقرب مذكور ويحسن عوده إليه فلا يجعل لأبعد مذكور، وقيل الباء سببيّة والضمير عائد على السحاب.وقيل عائد على المصدر المفهوم من سقناه فالتقدير بالسّحاب أو بالسّوق والثالث ضعيف لأنه عائد على غير مذكور مع وجود المذكور وصلاحيته للعود عليه.وقيل: عائد على السحاب والباء بمعنى من أي فأنزلنا منه الماء كقوله: {يشرب بها عباد الله} أي منها وهذا ليس بجيد لأنه تضمين من الحروف.{فأخرجنا به من كل الثمرات} الخلاف في {به} كالخلاف السابق في به.وقيل: الأول عائد على السحاب والثاني على البلد عدل عن كناية إلى كناية من غير فاصل كقوله: {الشيطان سوّل لهم وأملى لهم} وفاعل أملى لهم الله تعالى.{كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكرون} أي مثل هذا الإخراج {نخرج الموتى} من قبورهم أحياء إلى الحشر {لعلّكم تذكرون} بإخراج الثمرات وإنشائها خروجكم للبعث إذ الإخراجات سواء فهذا الإخراج المشاهد نظير الإخراج الموعود به خرج البيهقي وغيره عن رزين العقيلي قال قلت: يا رسول الله كيف يعيد الله الخلق وما آية ذلك في خلقه؟ قال «أما مررت بوادي قومك جديًا ثم مررت به خضرًا» قال: نعم قال: «فتلك آية الله في خلقه» انتهى، وهل التشبيه في مطلق الإخراج ودلالة إخراج الثمرات على القدرة في إخراج الأموات أم في كيفيّة الإخراج وأنه ينزل مطر عليهم فيحيون كما ينزل المطر على البلد الميّت فيحيا نباته احتمالان، وقد روي عن أبي هريرة أنه يمطر عليهم من ماء تحت العرش يقال له ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع فإذا كملت أجسامهم نفخ فيها الرّوح ثم يلقي عليهم نومة فينامون فإذا نفخ في الصّور الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. اهـ.
|